مؤسسة عين السلطان للدراسات

بقلم: يوآف ليمور

قضية تسريب الوثائق السرية لوسائل إعلام أجنبية هي من أخطر القضايا التي شهدتها إسرائيل. أضرارها ليست فقط أمنية صرفة: يثور منها الاشتباه في أن مكتب رئيس الوزراء عمل على إحباط صفقة مخطوفين بخلاف أهداف الحرب، كما أنها تدل على طرق عمل مرفوضة لمكتب رئيس الوزراء يشتبه ببعضها بأنها جنائية، بما في ذلك إمكانية أن يكون مشاركا في القضية مسؤولون كبار لم يحقق معهم بعد. بدأت القضية، التي يحقق فيها “الشاباك”، في أعقاب تسريب وثيقة سرية لصحيفة “بيلد” الألمانية اليومية وفيها تعليمات مزعومة من قيادة “حماس” لكيفية إدارة المفاوضات في قضية المخطوفين. وكان لتسريب الوثيقة هدفان أساسيان: الأول، عرض قيادة الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن كمن تخفي عن نتنياهو ورجاله المعلومات؛ بمعنى أنهم يتآمرون على رئيس الوزراء؛ والثاني، خلق انطباع بأن ليس لدى “حماس” أي مصلحة بالصفقة، والادعاء بأن نتنياهو هو الذي يحبط الصفقة عديم كل أساس.
منذ يوم النشر، تبين أن الوثيقة اجتازت تلاعبات، شُوه مضمونها عن قصد، وأساسا لا يدور الحديث عن سياسة رسمية بل عن ورقة عمل كتبها مستوى صغير – متوسط في “حماس”. في الجيش الإسرائيلي، قلقوا جدا من التسريب، الذي أضيف إلى نشر سابق في المجلة البريطانية اليهودية “جويش كرونيكل” بأن “حماس” قد تهرّب مخطوفين في محور فيلادلفيا، فقرروا التحقيق في مصادر التسريب.
نقل التحقيق إلى “الشاباك”، الذي نجح في حل اللغز بسرعة، قاد التحقيق إلى مستشار في مكتب نتنياهو، استخدم جهات مختلفة في الجيش كي يحصل منها على المعلومات. وزعت هذه المعلومات حسب الاشتباه بشكل متلاعب على صحافيين مختلفين في البلاد وفي العالم؛ لأجل تحقيق مصالح نتنياهو، وكجزء من حملة عميقة تستهدف المس بخصومه، بمن فيهم قادة جهاز الأمن.
يدور الحديث عن شبهات خطيرة وغير مسبوقة. أولاً، بأن إخراج وثائق سرية من الجيش هو مخالفة جنائية حكمها السجن الطويل. ثانيا، لأنه حسب الاشتباه عمل مكتب رئيس الوزراء عمليا من خلال التجسس داخل جهاز الأمن، زمن الحرب. ثالثا، لأن توزيع الوثائق على جهات غير مسموح لها أن تتلقاها هو مخالفة جنائية أخرى. رابعا، لان لحكومة حددت تحرير المخطوفين كهدف أساس للحرب، والمنشورات التي استندت إلى الوثائق (والتي كما يذكر أجريت عليها تلاعبات) استهدفت التخريب على إمكانية الوصول إلى صفقة، أي كانت تتعارض وقرار الحكومة.

اشتباه بإخفاء مواد
في محيط بنيامين نتنياهو بذلوا في الأيام الأخيرة جهودا واضحة للابتعاد عن القضية. في إطار ذلك، طرح ادعاءان أساسيان: الأول، إن المستشار الذي اعتقل لا يعمل في مكتب رئيس الوزراء. الثاني، إن كل العالم يسرب (وأساسا جهاز الأمن) ورئيس الوزراء هو الذي يطالب باستمرار بتحقيق آلة الكذب لكشف المسربين.
الادعاءان إشكاليان، على اقل تقدير. فالمستشار كان جزءاً من مكتب نتنياهو، رافقه في جولات في جهاز الأمن، وتحدث باسمه باستمرار مع صحافيين كثيرين (بمن فيهم الموقع أدناه)، رغم أنه فشل في الفحص الأمني، ولم يتلقَ تصنيفا امنيا. بمعنى انه واصل التعرف على أشخاص ومعلومات في المكتب السري في الدولة فيما كان واضحا انه يشكل خطرا. سيظهر التحقيق بالتأكيد مع من في المكتب اشرك المعلومات التي عرضها في الجيش الإسرائيلي. نشر الصحافي ميخائيل شيمش أن تساحي بريفرمن ويونتان اوريخ، المقربين من نتنياهو تشاورا مع المحامي عميت حداد.
بالنسبة للتسريبات، لنتنياهو توجد عادة طويلة من التسريب، منذ الفترة التي كان فيها رئيس المعارضة في منتصف التسعينيات. كان بوسعه أن يأمر “الشاباك” بالتحقيق فيها (والبدء برجال مكتبه)، وان كان سيصطدم التحقيق بمشكلة منذ بدايته: فهو لا يسمح بالفحص بآلة الكذب لمن زرع في جسده منظم دقات قلب. أي أن نتنياهو نفسه كان معفى منه.
فضلا عن هذا، في الأشهر الأخيرة، طرحت ضد نتنياهو ومكتبه ادعاءات خطيرة، بما في ذلك من جانب اللواء آفي غيل، الذي كان سكرتيره العسكري، حول الاشتباه باختفاء مواد وتغيير محاضر المداولات والقرارات. إذا كان هذا ما تم بالفعل، فهذه مخالفات جنائية تستوجب التحقيق. والمخول بإدارة مثل هذا التحقيق هو “الشاباك”، الذي يتعرض رئيسه، رونين بار، لهجوم دائم من نتنياهو وأبواقه في وسائل الإعلام، ما يمكن من فهم دوافعهم الآن. في التحقيق في القضية الحالية أثبت بار انه لا يخشى من أن يهز أيضا الفروع الأعلى، لكن عليه أن يطالب – إلى جانب رئيس الأركان والمستشارة القانونية للحكومة – أن يتم استيضاح الشبهات.

التلاعب بالرأي العام
تتيح هذه القضية أيضا الإطلالة على الطريقة التي يعمل فيها بنيامين نتنياهو. التوزيع المنهاجي وغير المسؤول للوثائق والمعلومات، أحيانا جزئية أو زائفة، لأجل التلاعب بالرأي العام في البلاد وفي العالم كجزء من حملات التأثير على الوعي والتأثير الذكي والشرير. مثال جيد على ذلك كانت أحبولة محور فيلادلفيا والادعاء “الكاذب” بأنه سيتم عبره تهريب مخطوفين، ذاك الادعاء الذي استخدم أيضا لعرقلة الصفقة. كل هذا تم أثناء حرب متعددة الجبهات، فيما تستعد إسرائيل (مرة أخرى) لهجوم إيراني وتناور في لبنان وفي غزة. بدلا من أن يكون الراشد المسؤول، يتبين محيط نتنياهو مرة أخرى كمن يعنى بالنبش وكمن لا يتردد (حسب الاشتباه) في سرقة وثائق سرية وتوزيعها في التشهير بالخصوم وفي إحباط تحرير المخطوفين لأجل خدمة أهداف سياسية. هذا استمرار مباشر لهروب نتنياهو من الاعتراف بمسؤوليته عن قصور 7 تشرين الأول، وامتناعه عن إقامة لجنة تحقيق رسمية، وخطوات مختلفة يقودها – وعلى رأسها قانون التملص من التجنيد – والتي تدل على أن إسرائيل وأمنها لا يوجدان أمام ناظريه؛ بل استمرار حكمه.

عن “إسرائيل اليوم”