مؤسسة عين السلطان للدراسات

الملخص

تتناول هذه الدراسة تأثير الجغرافيا الأردنية على الأمن القومي العربي ، وقد تم توضيح مفهوم الأمن القومي في إطاره العام ، ثم بيان أهمية مرتكزات الأمن القومي المتعددة ، ومن بعدها توصلنا إلى التحديات التي يواجهها الأمن القومي ، وقد استخدمنا المنهج الوصفي التحليلي ، وهو منهج يساعد في الدراسة على المقارنة في الدولة الواحدة ، ويمكن تطبيقه على مستوى اعلى من الدولة ، وقد توصلت الدراسة غلى مجموعة استنتاجات من أهمها : أن الأكثر تأثيرا على الجغرافيا الأردنية ما يجري في غزة والضفة الغربية .

الكلمات المفتاحية : الأمن القومي ، الأمن القومي الوطني ، الأمن القومي العربي ، الأمن الإقليمي .

Abstract

This study deals with the impact of Jordanian geography on Arab national security. The concept of national security was clarified in its general framework, then the importance of the multiple pillars of national security was explained. After that, we arrived at the challenges facing national security. We used the descriptive analytical approach, which is an approach that helps in the study. For comparison in one country, it can be applied at a higher level than the country. The study reached a set of conclusions, the most important of which are: The most influential impact on Jordanian geography is what is happening in Gaza and the West Bank.

Keywords: national security, Arab national security, regional security.

 

المقدمة :

تؤثر جغرافيا الدولة على سياستها الذاتية، سواء كانت هذه السياسة داخلية أم خارجية، لكن عندما تكون جغرافيا الدولة جزءاً من جغرافية أكبر منها، فإن الجغرافيا ذات المساحة الأكبر يكون تأثيرها على الجغرافية الجزئية أو الأقل أكثر من غيرها، بمعنى أن أي قطر عربي تشكّل جغرافيته جزءاً من جغرافيا عموم الوطن العربي، لكن ذلك لا يعني إلغاء دور أو أهمية أي جغرافية لأي قطر عربي، لأهمية هذه الجغرافيا من حيث الحدث، أو ما يدور حولها، أو ما يدور فيها، فالجغرافيا الأردنية لها أهميتها بالنسبة للصراع العربي الصهيوني، مثل  أي جغرافيا عربية أخرى تلامس حدودوها حدود الكيان الصهيوني ، وبما أن الصراع العربي الصهيوني صراع قومي في الأساس ، فهذا يعني أن الجغرافيا الأردنية تلعب دوراً مهماً ضمن هذا الصراع القومي، كما أنّ ما يؤثر على مجموع الأقطار العربية من سياسات خارجية لدول الإقليم، يتأثر به الأردن كون جغرافيته تأتي في قلب المشرق العربي الملتهب بالأحداث والقضايا المصيرية، وبما أن هناك أهمية لكل جغرافيا الوطن العربي، لأن هذه الأهمية تنبع من جغرافية كل قطر، فإن هذه الجغرافا تلعب دوراً مهماً في مرتكزات الأمن القومي العربي ، وللحديث عن الأمن القومي ، لابدّ من التعرّف على هذا المفهوم .

 اهمية الدراسة :

تنبع اهمبة الدراسة من أهمية الموقع الجغرافي الاردني ، وهذه الأهمية تعود بالنفع على مؤسسات الدولة في التخطيط والتنفيذ ، كما تعود المعطيات المتوفرة على صانع القرار السياسي بالقدرة على اتخاذ القرار سواء على الصعيد السياسي ، العسكري ، والاقتصادي والاجتماعي ، وتظهر أهمية الدراسة في المعلومات والاحصاءات الدقيقة للموارد ، وعناصر جغرافية اخرى مثل : الحدود والمساحة وشكل الدولة والمناخ والأنشطة الاقتصادية الأخرى ، وهذه تحددأنشطة الدولة السياسية وعلاقاتها مع دول الجوار ، ومراكز القوى الاقليمية والعالمية .

مشكلة الدراسة وأهداف الدراسة :

تكمن مشكلة الدراسة في الإجابة عن السؤال الرئيس وهو :” ما تأثير الجغرافيا الأردنية على الأمن القومي العربي ؟ ” ، وينبثق عن هذا السؤال أسئلة فرعية أهمها :

1 – تحديد مفهوم الأمن القومي .

2 – ماهي مرتكزات الأمن القومي العربي ؟

3 – ما التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي ؟

وللاجابة عن هذه الأسئلة نستخدم المنهج الوصفي التحليلي كمايلي :

أولا : مفهوم الأمن القومي :

هناك وجهات نظر متعددة في فهم أو تفسير الأمن القومي ومنها:-

1- مفهوم الأمن القومي وارتباطه بالأمن الوطني ([1]).

أخذ أصحاب هذا الاتجاه هذا المفهوم من مصطلح الفكر القومي الأمريكي، وباختصار فقد رأى العسكريون في هذا المفهوم أن الأمن القومي يعني القدرة العسكرية على حماية الدولة والدفاع عنها في حال وجود عدوان خارجي، أما السياسيون فاعتبروا أن الأمن القومي : هو مجموعة المبادىء التي تفرضها أبعاد التكامل القومي في نطاق التحرك الخارجي، أما علماء الاجتماع فيرون أن الأمن القومي :  يمثل قدرة الدولة على حماية قيمها الداخلية من أي تهديد خارجي، وهذا يعني أن الأمن القومي يقترن بوجود أو عدم وجود الدولة.

2- الأمن القومي مطلب قومي ([2]).

يركز الباحثون العرب في الاتجاه على الفكرة القومية رغم غياب الدولة العربية الواحدة من جهة ، ووجود أقطار عربية تسودها مجموعة تناقضات من جهة أخرى ، وهنا تمثل فكرة الأمن القومي قدرة الأمة العربية من خلال نظامها السياسي الواحد- إن وجد- على حماية الكيان الذاتي العربي، وحماية القيم التاريخية العربية المادية والمعنوية بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال الوسائل الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

3- الأمن القومي العربي بديل للأمن الاقليمي ([3]).

تركز هذه الفكرة على إطار الأمن العربي المشترك، بحيث يكون الأمن العربي مرادفاً للأمن الإقليمي ، وهذه الفكرة أكثر شيوعاً بين الدارسين لقضايا الأمن القومي، حيث يرى بعض الباحثين أن الأمن القومي العربي ينطبق عليه مفهوم الأمن الاقليمي، لأن المفهوم يضم أكثر من دولة في الاقليم الجغرافي العربي، حيث الروابط فيما بين هذه الدول متينة.

وفي رأينا أن الفكرة الثالثة، أو فكرة الأمن القومي العربي بديل للأمن الاقليمي، هي أكثر الأفكار خطورة على الأمن القومي العربي، وذلك لتداخل الاقليم العربي مع من حوله، والقول بذلك يخلط الحابل بالنابل ، كما أنها لاتشكل بديلا بل تابعا ،  لأن هذه الفكرة تحتاج إلى وحدة عربية تامة شاملة ، قيادتها السياسية والعسكرية واحدة ، ويصعب ذلك في ظل المعطيات المتوفرة ، أما الفكرتان الأولى والثانية فهما أقرب إلى الواقع الحالي للأمة العربية ، ويمكن اختيار واحدة منهما ، أو أخذ الأنسب التي تتلاءم مع الواقع العربي الحالي .

ثانيا :مرتكزات الأمن القومي العربي :

يرى كثير من الباحثين أن مفهوم الأمن القومي العربي غير مستقّر، ولذلك هناك من يقول: “إن الأمن القومي العربي هو مجموعة الاجراءات التي يمكن أن تتخذ للمحافظة على أهداف وكيان وأمان المنطقة العربية في الحاضر والمستقبل، مع مراعاة الإمكانات المتاحة وتطويرها، أي استغلال المصادر الذاتية للأمة العربية، وجعلها الأساس في بناء القدرة وإدراك المتغيرات التي تحدث من حولنا وفي داخلنا” ([4]).

وهذا يعني أن الأمن القومي العربي مشروع شمولي يحتاج إلى عمل دائم وخطة متواصلة ، ويمكن القول :إننا نحتاج إلى المرتكزات التالية:-

1– المرتكزات السياسية:-

إن من أهم قضايا الأمن وشروط الموازنة في العلاقات الدولية، ضرورات الأمن الخاص بالدولة ، والدول المجاورة، وكذلك الإقليم، وأن ما يحدد السياسة العربية هو إمكانية مساندتها لاستراتيجية الأمن القومي بمكوناتها، وذلك عن طريق الضغط أو التحوّل الحقيقي في سياسة الدول الأخرى لصالح الأمن القومي العربي ، وما يعبّر عن ذلك أن تكون السياسة العربية عبر المسار الصحيح والموحد للمصالح والأعداء ([5]).

إن العناية بالأمن القومي العربي، تستدعي العناية بالأمن العربي الداخلي ، الذي يقوم على الاستقرار السياسي والاجتماعي في أي قطر من الأقطار العربية، وهذا يكون من خلال تعزيز الديمقراطية الاجتماعية والسياسية، والمشاركة الجماهيرية في القرار السياسي، وتقليص الفوارق الاجتماعية من خلال تحقيق التنمية العربية الشاملة والمستدامة ([6]).

2– المرتكزات العسكرية:-

في ظل التفكك العربي والتجزئة الحالية، والدفاعات العربية الواهية – رغم إمكاناتها الكبيرة – لابد من توفير دفاع عربي ، في إطار استراتيجية أمنية عسكرية، قائمة على مناطق دفاع إقليمية خاضعة لقيادة عسكرية موحدة، وذلك من أجل التغلّب على المصاعب المادية والموضوعية ، التي تحول دون المساندة والتعاون بين الأقطار العربية في مجال الدفاع العسكري ، الناجم عن فقدان القدرة العربية على الحشد العسكري السريع – بسبب تشتت القدرة العسكرية في مواجهات مختلفة – لمواجهة أي خطر يهدد أي قطر أو جبهة عربية ([7]).

3– المرتكزات الاقتصادية:   يلعب الاقتصاد دوراً مهماً في أي استراتيجية، إذ يشكل أحد العوامل الأساسية في خدمة الاستراتيجية ، وخاصة في بعديها العسكري والاجتماعي، ويرى باحثون :إن المجال الاقتصادي يشمل ما يلي ([8]):-

  • القدرة الاقتصادية للدولة ومدى توافر المواد الغذائية، من مصادر محلية أو صديقة، أو مدى قدرة الدولة على تأمينها مادياً أو أمنياً، بمعنى الإفلات من أشكال الحصار الاقتصادي، ومدى توفر الموارد الطبيعية (طاقة- معادن- ثروات طبيعية- مياه- غابات- أنهار- بحار… ألخ)، ويمكن أن لا يتوفر ذلك في دولة واحدة ، ولكن تستطيع مجموعة الدول العربية أن تكمّل بعضها البعض، فتخلق ما يسمّى التكامل الاقتصادي.
  • المؤثرات على العنصر الاقتصادي، وتشمل فروع الاقتصاد من زراعة، صناعة، تجارة، وتكنولوجيا متاحة محلياً أو مستوردة، والاستهلاك، والتضخم، ومعدل التنمية وغير ذلك من العوامل، وهذه العوامل أو المؤثرت تستطيع الدول العربية أن تتفادى النقص في هذا الجانب ، حيث أن الثروة متوفرة في أقطار عربية، والعقول والأيدي العاملة في أقطار أخرى، والقدرة الانتاجية ، وسهولة المواصلات بين الدول العربية، مما يؤدي إلى بروز قوة اقتصادية منافسة للشرق والغرب.

4– المرتكزات الثقافية ([9]):-

تلعب الثقافة دوراً مهماً في الاستراتيجية القومية، من حيث التاريخ الثقافي للأمة ، وقيمها الحضارية والثقافية ومدى إسهامها الحضاري والإنساني في مجال الثقافة العالمية، أو محيطها الإقليمي، لأن هذه العوامل تشكل الروح القومية للأمة، ويقوم  التعليم ومؤسساته العلمية من جامعات ومدارس مقام الأساس للقاعدة الثقافية للدولة، ونسبة المتعلمين، وقدرة التعليم على تحقيق التنمية الروحية والثقافية، وإسهامه في تقوية الدولة والأمة ، مما يؤدي إلى صنع المناعة الثقافية والفكرية للأمة ، أي تمييز شخصيتها الفكرية لا باعتبارها أمة معزولة بثقافتها، بل بتكاملها مع الآخر ، وقدرتها على الإفادة والاستفادة في محيط إنساني يأخذ من الثقافة العالمية ويعطيها دون تعصب أو تمييز، أي الإيمان بحوار الثقافات وتفاعلها الإنساني، وليس صراع الثقافات أو الحضارات ، وتدمير بعضها للآخر، كما يروج بعض الباحثين الأمريكيين، وغيرهم من الذين يدعون إلى هيمنة الثقافة الرأسمالية الغربية، وخاصة الأمريكية على العالم.

5– المرتكزات الاجتماعية ([10]):-

وتضم مجموعة من العوامل التي تكوّن الأمن الاجتماعي للدولة، وتعكس درجة الوعي الاجتماعي للمواطن باعتباره كائناً سياسياً، ومدى ممارسة المواطن لحقوقة السياسية والاجتماعية ، وشكل المؤسسات الاجتماعية القائمة التي تعكس تطور المجتمع، ومدى علاقة هذه التنظيمات في ممارسة الحقوق السياسية، وشكل الهرم الاجتماعي للدولة، والشعور بالسلام الاجتماعي والطبقي، وحقوق المواطن في التعليم والصحة والعمل، ومدى تطور القوانين التي تحمي المواطن وحقة في التقاضي، ومدى علاقة البيئة القومية والوطنية والتناسق بينهما، وعلاقة كل ذلك بالأمن القومي للدولة.

ثالثا :التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي :

هناك مجموعة من التحديات التي تواجة الأمن القومي العربي، أما أهم هذه التحديات التي تواجه الوطن العربي – من حيث الجغرافيا- فهي :-

1– التحدي الصهيوني الاسرائيلي .

يرى الصهيوني أرنون سوفير “أن هناك أهمية كبيرة لموقع أرض اسرائيل على الجسر البري الذي يربط ثلاث قارات: إفريقيا وآسيا وأوروبا، وعلى المستوى الإقليمي تمثّل اسرائيل إسفيناً بين جزئي العالم العربي في قسمه الشمالي، و قسمه الجنوبي” ([11]).

لذلك يرى باحثون أن اختيار فلسطين موقعا لقيام وطن قومي لليهود ، هو عبارة عن دراسة استعمارية دقيقة ، وأن الدول الاستعمارية أفرزت – عبر تاريخها الطويل- عدداً من الخبراء في تحديد أهم النقاط الاستراتيجية في العالم، وقد لعب البابوات ورجال الدين الكبار دوراً أساسياً في هذا المجال ، ولم يخرج موقع اختيار فلسطين عن ذلك، أي عن إطار التخطيط، وإنما كان في صلبه وجوهره، فلم يتم ذلك الاختيار – كما يرى باحثون – على أساس عقيدة دينية نسبت إلى التوراة، حيث الدعوة إلى الأرض الواقعة  بين النيل والفرات، وهذا كما – يرى هؤلاء – لا يمكن التسليم به كسبب تاريخي ديني ، يجيز اغتصاب أرض وقتل أهلها وتشريدهم، بل هو ذو دلالة واضحة على أهمية موقع فلسطين وقربها من البحر، وموقعها المفصلي بين المشرق العربي ومغربه، حيث يمكن اتخاذ هذا الموقع موطناً والتوسع بعد ذلك من مكان لآخر ([12]).

و يقع الأردن وسط المشرق العربي، حيث حدوده الطويلة مع الكيان الصهيوني، التي تعتبر فاصلاً لهذا الكيان عن بقية أقطار المشرق العربي الذي تقع شرق الأردن وجنوبه، حيث الثروة والطاقة، وطموحات التوسع الصهيوني.

2– التجزئة العربية.

ورد في حديث بن غوريون عندما خاطب ضبّاط الهاغاناه، بعد توقيع إتفاقية الهدنة، بين الدول العربية والكيان الصهيوني ما نصّه : “إن ما تحقق لنا من نصر تاريخي عظيم للشعب اليهودي كله، كان أكبر مما تصورناه وتوقعناه، ولكن إذا كنتم تعتقدون أن هذا النصر قد تحقق بفضل عبقريتكم وذكائكم فإنكم على خطأ كبير، إنني أحذركم من مخادعة أنفسكم، لقد تمّ لنا ذلك لأن أعداءنا يعيشون حالة مزرية من التفسخ” ([13]).

وقد مرّت فترة على الأمة رفعوا فيها شعارات الوحدة العربية ، والأمن القومي العربي، و الدفاع العربي المشترك، وقد جاءت هذه الشعارات غير منسجمة مع حروب كثيرة أهمها حرب حزيران 1967، وحرب تشرين 1973، وأخراج المقاومة الفلسطينية عام 1982 من لبنان، ومحاولة اجتياح لبنان عام 2006، فالكيان الصهيوني والذين يدعمونه من الغرب الاستعماري هم من يقف وراء الفتن المذهبية والطائفية والعرقية، ومن الغريب أن قومية الصراع العربي الصهيوني تفتتت بعد معاهدة كامب ديفيد مع مصر، وإتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، ومعاهدة وادي عربة مع الأردن ([14])، حيث رأى الأردن أنه الحلقة الأضعف في هذا الصراع، والتهديد الصهيوني له مستمر بتحويله وطناً بديلاً على إثر مفاوضات السلام، ولأنه الأقرب إلى كيان صهيوني متفوق عسكرياً، وحدوده الأطول فارتأت سياسته الخارجية أن توقيع معاهدة وادي عربة كي تحمي جغرافية الأردن .

3– الخلافات العربية العربية.

مع وجود نظام إقليمي عربي ضعيف تقوده مؤسسة جامعة الدول العربية الضعيفة أيضا ، وتخلّف هذا النظام عن ملاحقة الأحداث والمتغيرات في الوطن العربي ، لم يخلُ النظام العربي من ظاهرة الخلافات العربية العربية ، حتى بلغت أحيانا إلى حدّ الإنفجارالمسلح، وذلك على مسألة الحدود الوهمية، حيث كرّست فلسفة الدولة القطرية ، وخلقت خلافات بين العرب ، وخلاف حول الحدود مع دول الجوار الجغرافي ، ومشاكل المياه ، وما يمكن أن تثيره من نزاعات في المستقبل بين الدول العربية، أو بينها وبين جيرانها في الإقليم ([15]).

ولعلّ غزو الكويت من قبل العراق عام 1990 كان العلامة الفارقة في العلاقات العربية العربية ، حيث انقسم العرب إلى ثلاثة أقسام ، فهناك دول اعتبرت تحرير الكويت من قبل الولايات المتحدة عدوانا على الأمة العربية ، وبعضها تحفظ على ذلك ، وآخرون ساندوا الولايات المتحدة في حرب تحرير الكويت، مما أدى في النهاية إلى تدهور المشهد العربي وحصار العراق واحتلاله عام 2003 من قبل الولايات المتحدة وأعوانها، وهو ما انعكس سلباً على مشروعات التكامل العربي في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية ([16]).

وقد بلغ تأثر الأردن – كموقع جغرافي مجاور للعراق من الغرب – إلى حد كبير لتلك الأحداث التي مرت، حيث تعرّض للحصار الاقتصادي، وطُرد آلاف الأردنيين من وظائفهم من الدول الخليجية، وتكبّد الأردن خسائر اقتصادية هائلة، حيث عاد إلى الأردن ما يقرب من نصف مليون أردني عامل في تلك الدول، بالإضافة إلى وقف إمدادات النفط والتشدد السعودي على الحدود الأردنية مع الأردنيين ، ووقف المساعدات الخليجية التي كانت تتدفق على الأردن في تلك الفترة.

4– الأطماع الدولية في السيطرة على الوطن العربي.

ويعني ذلك أن ملفات القضايا العربية أصبحت بأيد غير عربية ، بمعنى أن الدول العربية أصبحت مسلوبة الإرادة ولا تملك زمام أمورها ، فجميع الملفات السياسية المهمة من المشرق إلى المغرب لا تستطيع البتّ فيها ([17])، حيث تحولت الصورة إلى تدخل مباشر في شؤون الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، وهذه حقيقة نعيشها ولا يمكن إنكارها، وهي ليست جديدة بل قديمة لأنها متعلقة بمكانة الوطن العربي الاستراتيجية وأهميته، وبالثروات التي يمتلكها ، والتي كانت سببا للصراع الدولي ، واحتلال العراق خير دليل على ذلك ([18])، وما تبعه من الآثار السلبية على الأمن القومي العربي، حيث أدّى ذلك إلى ازدياد الاعتماد العربي على الولايات المتحدة في حل قضاياه الأمنية ، وتغيّر بذلك مفهوم الإدراك لمصادر الأمن القومي العربي ، إضافة إلى تراجع القضايا الأساسية للأمة العربية نتيجة تزعزع الإرادة القومية ([19]).

من هنا تأثرت الجغرافيا الأردنية سلباً بما يجري حولها ، سواء ما يجري في العراق من عدم استقرار، واقتتال يومي وهو جار الأردن  من جهة الشرق، أم ما يجري في سوريا الجار الشمالي من حرب أهلية في الصراع بين السلطة والمعارضة المسلحة ، حيث يتدفق اللاجئون من كلا الجهتين إلى الأردن، مما يؤثر على الموارد الطبيعية الأردنية، وعلى الاقتصاد ، ومنافسة هؤلاء للمواطنين الأردنيين في سوق العمل ، وارتفاع مؤشر الحياة نتيجة العرض والطلب .

5– التهديدات الإقليمية المجاورة للأمن العربي.

تتأثر البلاد العربية بما يحيط بها من دول، وهذا التأثير ناجم عن ضعف بناء منظومة الأمن العربي ، حيث تحاول كل دولة ترى في نفسها القدرة على تحقيق أطماعها في هذا الوطن الكبير، التدخل في شؤونه الداخلية عبر مصالح اقتصادية أو عسكرية، أو إيديولوجية ، وذلك من أجل تحقيق مصالحها من خلال التدخل في الدول القريبة منها، أو التي تستطيع الوصول إليها، فمثلاً يعاني الوطن العربي في المشرق من التحديات المتمثلة في إيران وهي تحديات تهدد الأمن في الخليج العربي وبخاصة بعد نفوذها المتزايد في العراق، وفيما يجري من اقتتال داخل سوريا، ولبنان ، إضافة إلى التواجد الأجنبي على شكل قواعد عسكرية في الخليج العربي، والعراق، للولايات المتحدة بشكل خاص ، التي هي حليف عضوي واستراتيجي لدولة الكيان الصهيوني، التي تشكل خطراً حقيقياً على بلدان الخليج العربي وشعوبها، ولذا فإن ربط أمن الخليج بالولايات المتحدة، يشكل تهديداً للأمن القومي العربي ([20])، أما في بلاد الشام فالتحديات الإقليمية تتمثل في تركيا وإيران والولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ناهيك عن رياح التغيير الدموي التي تهب على البلدان العربية ، أو ما سمّي الربيع العربي ([21]).

والأردن يقع في بؤرة هذا التوتر المحيط به ، حيث يشتدّ عليه التأثير يوماً بعد يوم ، وذلك لوجود الكيان الصهيوني غربه، وهو أحد التهديدات الحقيقة للجغرافيا الأردنية، وما يجري من عدم استقرار في لبنان، والحرب الأهلية الدائرة في سوريا، والاقتتال وعدم الاستقرار في الشرق من جهة العراق ، وظهور قوى بأسماء مختلفة جعلت من العراق وسوريا ساحة قتال بينها وبين قوى التحالف ضدها ،  كما أن عدم استقرار الخليج من التهديدات الإيرانية يؤثر على الأردن بشكل مباشر لأن حدودها مشتركة مع الجزيرة العربية من الشمال .

وبناء على ما تقدم ، نرى أن مفهوم الأمن القومي العربي – وإن بدأ واضحاً –   غير قابل للتطبيق في ظل هذه الظروف التي يمّر بها الوطن العربي ، ولأن التهديدات تنصبّ على هذا الوطن من كل حدب وصوب، بسبب الأطماع في موقعه الاستراتيجي وثرواته الهائلة، ولذلك لن يترك الوطن العربي في حاله إلاّ إذا كانت الإرادة العربية للتغيير قوية ومتماسكة من المحيط إلى الخليج، فالقوى الطامعة بخيراته ، والتهديد الكامن في قلبه من الكيان الصهيوني، وعلى حدوده من الشرق والشمال والغرب والجنوب، بحاجة إلى إرادة أمة قوية، تتمسك بحريتها ووحدتها، بحيث لاتدع للطامع مكاناً في أرضها، ولا لمن لا يعمل من أجل هذه الأمة، التي تفرقّت وتشرذمت، وأصبح الاقتتال ديدنها من أجل السلطة، والإدبار عن قضايا الأمة منهجها، ونسي هؤلاء العبر والتجارب من التاريخ التي مرّت بها هذه الأمة، كذلك نسوا أنهم في موقع استراتيجي على خريطة الكرة الأرضية والكل يحسدهم عليه، فلو قدّر لهذه الأمة أن تقف على قدميها فلديها الجغرافيا التي هي قلب العالم القديم والحديث، ولديها الثروات التي تستطيع أن تتحكم بالعالم من خلالها، ولديها العقيدة التي سادت أكثر من ألف سنة، وهذه كلها مكونات أمة عظيمة، يخافها القاصي والداني أن تسيطر على العالم  .

 نتائج الدراسة :

إنّ الجغرافيا الأردنية في ظل هذه الظروف تأثرت بما  جرى ويجري من أحداث في نطاق الجغرافيا العربية ، فهي تواجه واقعا يحتّم عليها أن تدرس قراراتها في السياسة الخارجية بعناية فائقة ، فلم يعد محيطها في الإقليم العربي مستقرا ، بالإضافة للوجود الصهيوني ، ولذلك فإن سياستها الخارجية تتعرض لضغوط تجاوزها يشكل صعوبة بالغة ، إضافة إلى الوضع الداخلي الذي يعاني منه الأردن ، خاصة الوضع الاقتصادي الذي بات يهدد الأمن الداخلي ،  لكن الأكثر تأثيرا على الجغرافيا الأردنية والديموغرافيا ، مايجري عسكريا بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية ، والذي يجري في محيطها السوري والعراقي والوطن العربي بأكمله .

تستطيع الجغرافيا الأردنية أن تلعب دورا مهما من خلال بناء جسور التواصل بين عرب افريقيا وعرب آسيا ، ولهذا يمكن استغلال الجغرافيا الأردنية لأنها تشكل عائقا وصمام أمان أمام إسرائيل ، ومنعها من الوصول لمنابع الطاقة وهذا يعكس جانبا ايجابيا لأثر الجغرافيا الأردنية .

[1] . -عطا محمد صالح زهرة ، الأمن القومي: العمل العربي المشترك، المستقبل العربي،بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية، عدد 94، 1984، ص16- 19.

– علي الدين هلال ، الأمن القومي العربي: دراسة في الأصول، مجلة شؤون عربية، عدد (35) سنة (1984)، ص21.

– حامد عبد الله:vfdu    نظرية الأمن القومي ، دوريات أفاق عربية ، العدد ٣ ،أيلول، ١٩٨٥ ، ص ١٩.

 

[2] . أمين هويدي ، فجوة الأمن القومي العربي، مجلة الفكر الاستراتيجي العربي، العدد الأول، تموز 1981، ص57.

[3] . عبد المنعم المشّاط ، الأزمة الراهنة للأمن القومي العربي، الفكر الاستراتيجي العربي عدد (6،7) سنة (1983)، ص145- 148.

[4] . أمين هويدي، فجوة الأمن القومي العربي، مرجع سابق، ص57.

-عدلي حسن سعيد ، الأمن القومي العربي وإستراتيجية تحقيقه، القاهرة :  الهيئة المصرية للكتاب ، ١٩٧٧ ، ص ٤٦.

 

[5] . علاء طاهر ، الخصوصية الاستراتيجية للعالم العربي، القاهرة : الهيئة المصرية للكتاب، 1992، ص14- 18.

[6] . عبد المنعم المشّاط ، نظرية الأمن القومي العربي المعاصر، القاهرة : دار الموقف العربي، 1998، ص27- 28.

[7] . زكريا حسن ، العرب إلى أين؟،  القاهرة : منشورات المكتب المصري الحديث،1996، ص457.

[8] . عيسى درويش ، العالم العربي وآفاق المستقبل، الاسكندرية : جامعة الاسكندرية، 1996، ص9.

[9] . نعيم ابراهيم الظاهر ، بناء القوة الأردنية ودورها في الأمن القومي العربي: دراسة في الجغرافيا السياسية، مجلة علوم إنسانية، السنه (16)، العدد (40)، 2009، ص27- 29.

– عيسى  درويش، ركائز الاستراتيجية في الأمن القومي ، مجلة الفكر السياسي ، عدد مزدوج الرابع والخامس ، 1998-999 ، ص58-59

[10] . نعيم ابراهيم الظاهر ، مرجع سابق، ص 28.

– نظام عزت العباسي ،  الحركة الصهيونية العسكرية و تهديد الأمن القومي العربي، مجلة آفاق عربية ، العدد ٣ ، سنة ١٩٨٥ ،ص ١٢٨

[11] . صالح زهر الدين، مشروع اسرائيل بين الديمغرافيا والنفط والمياه،بيروت :المركز العربي للأبحاث والتوثيق،1996، ص53- 54.

–  محمد عقله المومني ، السياسة المائية للكيان الصهيوني :دراسة في الجغرافية السياسية ، عمان :  (ب .ن ) ،١٩٨٩ ، ص ١٤.

–  إبراهيم العابد ،  مدخل إلى الإستراتيجية الصهيونية، بيروت : مركز الأبحاث ، ١٩٧١،  ص ٢٦.

[12] . محمد محيي المهيمص ، المتغير الجغرافي للنزاع العربي الاسرائيلي، مجلة آداب المستنصرية، العدد (47)، السنة 2007، ص12.

[13] .عبدالغفارشاكر وآخرون ، تحديات المشروع الصهيوني والمواجهة العربية،  القاهرة : مطبعة مدبولي، 2001، ص44.

[14] . محمد محيي المهيمص ، المتغير الجغرافي للنزاع العربي الاسرائيلي، مرجع سابق، ص15.

[15] . احمد فؤاد ابراهيم المغازي ، واقع الأمن القومي العربي وتحدياته المختلفة، مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام، شهر شباط 2012، ص14- 15.

[16] .احمد فؤاد ابراهيم المغازي ، واقع الأمن القومي العربي وتحدياته المختلفة، مرجع سابق، ص14- 15.

[17] .  أحمد يوسف ونيفين مسعد، حالة الأمة العربية: رياح التغيير، مجلة المستقبل العربي، بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية، 2011، ص34.

[18] . صالح بن محمد الختلان ، السياق الدولي للاصلاح السياسي في الوطن العربي، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد (19)، بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية، 2008، ص29.

[19] .محمد حسّون ، الاستراتيجية التوسعية لحلف الناتو وأثرها على الأمن القومي العربي، دمشق : مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد (26)، العدد (2)، 2010، ص366.  ،

– صباح توما اجبوري ، التحدي الصهيوني ومستلزمات المواجهة ، آفاق عربية، ١٩٨٦ ،ص ٢٨.

– عبد الحميد عارف ،   التسلح النووي للكيان الصهيوني ، مجلة أفاق عربية،1٩٨٥، ص41 .

[20] -. 1/1/2012، http://www.Aljazeera.net.

[21] . احمد فؤاد ابراهيم المغازي ، واقع الأمن القومي العربي وتحدياته المختلفة، مرجع سابق، ص14.

– ماهر طاهر ، النظام الإقليمي العربي في مواجهة الاستراتيجيات المضادة ، مركز البحوث العربية ، القاهرة : مكتبة مد بولي ، ١٩٩٩ ، ص ١٥٣-١٤٩.