مؤسسة عين السلطان للدراسات

جاءت زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة ومن ضمنها فلسطين المحتلة، في ظل واقع عالمي جديد، أجرت الإدارة الأميركية على خلفيته تغييرات على أجندتها وأولوياتها، وانتقلت بثقلها إلى جغرافيا أخرى، إلى شرق أوروبا حيث روسيا الخصم التاريخي القديم والطرف الرئيسي في الحرب الضروس الجارية، حيث تخوض دول الناتو بزعامة الولايات المتحدة الحرب مع روسيا على ساحة أوكرانيا بدعمها بالمال والعتاد والمدربين والخبراء والسياسة بما فيها العقوبات الشاملة على روسيا، وإلى الشرق الأقصى حيث العملاق الصيني الخصم الاقتصادي والسياسي الذي ترشحه بعض التقديرات لكي يكون القوة الاقتصادية الأولى في العالم خلال عقدين.
تأتي الزيارة بعد وصول الفاشية الصهيونية إلى سدة الحكم في إسرائيل، وفي أعقاب ما فعلته الإدارة الأميركية السابقة بقيادة دونالد ترامب وكرسته من وقائع ذات أبعاد استراتيجية، لا تملك الإدارة الحالية الرغبة ولا الإرادة لمحو آثارها على الرغم من وعودها، أصبحت هذه الوقائع وكأنها ثابتة وغير قابلة للتراجع في نظر الإدارة كنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وسيادة دولة الاحتلال على الجولان، فضلا عن الصمت المتواطئ تجاه الهجمة الاستيطانية، بينما لم تنفذ هذه الإدارة أبسط وعودها كإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، أو إعادة فتح مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن.
جاءت الزيارة لتؤكد مجدداً انحياز الإدارة الأميركية للاحتلال في جميع توجهاته، فقد وصل بلينكن تسبقه إدانة إدارته لعملية القدس، بينما أقصى ما تحظى به فلسطين إبداء الحزن على الفلسطينيين الذين يفقدون الأمل بسبب انغلاق الأفق السياسي، رغم ذلك يكررون دعمهم اللفظي لحل الدولتين في جميع التصريحات المتعلقة بالشأن الفلسطيني، من دون أن يترجم بأية خطوة عملية، وسط صمت مطبق على الجرائم الإسرائيلية وتهويد القدس ومصادرة مزيد من الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات.
عطلت واشنطن قدرة مجلس الأمن على إدانة خروقات إسرائيل، وحتى على إصدار بيان، متجاهلة ما تقود إليه ممارسات إسرائيل من تقويض لحل الدولتين والقضاء عليه موضوعياً، فوق ذلك يتشدقون بسعيهم لضمان العيش المتساوي للشعبين، بينما يختبر العالم أثر صعود حكومة اليمين الفاشي- الديني وتسارع تطبيق برنامجهم على الأرض وآخرها الممارسات العنصرية على الأسرى والأسيرات، قرصنة المزيد من أموال المقاصة، واستمرار عمليات قصف القطاع وعمليات الهدم والتدمير للمنازل والمنشآت، واستباحة المسجد الأقصى إلى سائر عمليات الاعتداء على المساجد والكنائس، وإقرار القوانين العنصرية.
الزيارة الأميركية تؤكد أن الوهم المتشكل لدى أطراف قيادية في السلطة، بأن تبوّؤ الحكومة اليمينية سدة الحكم أكثر فائدة للفلسطينيين، ليتضح أن كل مظاهر الفاشية والعنصرية والهجوم على الديمقراطية لم تؤثر على الإدارة الأميركية، ولسان حالها بأنهم لا يتعاملون مع أفراد بل مع سياسات حكومية يمثلها رئيسها، وهو المعروف بالخداع والكذب.. بينما النظر على المصالح الانتخابية، كأحد الثوابت في السياسة الأميركية ودور اللوبيات الصهيونية المقرر فيها.
واضح أن الموقف الاميركي تحت الإدارة الديمقراطية سيتبع دروب الالتباس والخداع، فهي من جانب تدعي بأنها تمارس الضغوط على اسرائيل للتهدئة والحفاظ على الوضع التاريخي للقدس والأقصى، بينما لا تطالب بتفكيك حاجز عنصري واحد من اصل سبعمائة وخمسين حاجزاً يعيق حركة الفلسطينيين ويمنع التواصل الإنساني والخدمي والاجتماعي، مكرساً نظام (الأبارتهايد) من خلال تحكم مجموعة عرقية/ قومية بمجموعة عرقية/ قومية أخرى تقيم على ذات الأرض، بينما تمارس الضغط الفعلي والعملي على الفلسطينيين، بالضغط على السلطة للتراجع عن قرار وقف التنسيق الأمني، ومطالبتها بالقضاء على بؤر المقاومة في جنين ونابلس، في إطار خطة مُعدة بالشراكة مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تهدف للإيقاع بين الفلسطينيين ونقل المواجهة بينهم، بما يفاقم من الصراع والانقسام الداخلي.
من الطبيعي رفض جميع المطالب الأميركية التي من شأنها إسقاط السلطة فيما إذا استجابت لها، وحسناً فعلت اللجنة التنفيذية في رفضها، لغاية الآن، لكن هذا لضمان ثباته، ضمن سياسة عدم التطبيق المعروفة والعودة عن تطبيق قرارات مثيلة، يتطلب وقف الرهان على المواقف الأميركية التي تؤكد في كل محطة انحيازها المطلق لدولة الاحتلال.
المطلوب فلسطينياً، التوحد على موقف رفض المطالب الأميركية المنسَّقة مع الاحتلال، بالثبات على وقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال وتطويره نحو تفعيل القرارات المتخذة من قبل المجلس الوطني الفلسطيني والدورات المتعاقبة للمجلس المركزي الفلسطيني، ورفض الاقتراحات بذريعة فتح الطريق أمام التحرك السياسي، بل التركيز على قضية إنهاء الاحتلال والاتفاق على استراتيجية موحَّدة وموحِّدة للمقاومة تضم الجميع، وحمايتها، والانخراط بها بشكل فعال بجميع أشكالها، كمقدمة لفتح مسار أمام تطبيق اتفاقيات استعادة الوحدة الوطنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *