مؤسسة عين السلطان للدراسات

منذ مطلع القرن الفائت والحاضر والفلسطينيون يعيشون وهج النضال ضد مستعمر وغاصب تلحّف بكل قوى الأرض العصيّة على الاندحار، ولما كان هذا الحال ولا يزال، وبرغم الاستدامة بكل أشكال المواجهة، وبرغم أصناف القمع والاغتيال والهدم وأشكال الخراب التي تخلفها يومياً آلة الحرب الصهيونية، فإن الغضب ما زال يتأجج في صدور أبناء الشعب الفلسطيني، والأسى والحيرة ما زالا يخيمان على أبناء الشعب العربي أينما كان، ولعل مرد ذلك إلى ردود الفعل المتخاذلة، أو التي ما زالت تؤمن بطرق الدبلوماسية التي لم ولن يكتب لها النجاح مع عدو متغطرس ومتربص بها، ويسعى بشتى الأساليب إلى خلخلة الأمة كلما حاولت الاقتراب من ذاتها، وهذا ديدنه منذ أن خرج من رحم الإمبريالية الأم.
العودة إلى التاريخ الحديث الذي أغرقنا بالهموم والانسياق وراء البحث عن العلل والمقدمات التي أفضت إلى هذا الواقع المرفوض بأشكاله، جعلنا نبتعد كثيرا عن الواقع الذي يفرض علينا القبول به او التسليم باباطيله المزيفة، حين يقبل المرء بمناقشة أبجديات ثوابته فقد خرج عنها أو همّ بذلك، والواقع الذي نلوكه كثيرا جعل منا أرجوحة يطويها الريح حيث يسكن،ولذلك لا بد من قراءة الذات أولاً والمحيط العربي ثانيا، حيث النقطة الأولى نلمس أننا نعيش تجربة امبريالية لم يعرف التاريخ مثلها، لا الهنود الحمر عرفوها رغم محاولة القضاء على جذورهم ولا كل بقاع الأرض التي دانت للاستعمار المختلفة أشكاله، وعقائدياً نخالف أنفسنا ونعيش حالة انفصام تبدو غريبة في أطوارها بكل المقاييس، لكنها لم تستيطع تطويعنا والوصول بنا إلى حيث خطط لنا، رغم الهدوء والسكينة التي دبت في أوردتنا وشراييننا، رأينا ان هذه لحظة تقلب كل مناهج البحث والتأصيل عبر انطلاقة تخرج في مضمونها عن نمطية الحياة المتوارثة والمرغوبة لنا، لهذا نرى أن المتغيرات التي ليست من العوامل المفاجئة جاءت نتيجة لطموحات أدت إلى الانفراد للوصول إلى هذه المرحلة بالذات، مع أنها لم تشكل في يوم من الأيام هدفاً بحد ذاته.
أما فيما يخص قراءة المحيط العربي التي ساقت البعض إلى تصورات خارجة عن إرادة الشعوب، فقد انتهت هذه القراءة إلى وضع فيه من الخروج عن النمطية المعهودة بحيث لا يرقى إلى ما هو مطلوب شعيباً، على قاعد الصراع العربي الصهيوني، لنرفض الانضواء في ظل التشابك الدولي الذي يدعو لإخراجه عن جوهره العربي، والوصول به إلى قاعدة مخالفة لمبدأ- على الأقل التحالف القومي – وصياغته في إطار المجموعة الدولية، للخروج من وحدة الهدف إلى مبدأ المشاركة.
لذلك نرى أن على القيادة الفلسطينية قراءة الأوضاع بصورة أفضل في ظل المعطيات الدوليةـ التي تبحث عن صيغ هامشية للمشاركة على حساب الواقع الفلسطيني الذي لا يحسد عليه وأعني قطبي الحرب الباردة قديما، فالتحديات المطلوية أكبر من حجم الواقع الذي تحاول أطراف دولية صياغته لينتهي إلى ما هو أقل من طموحات الشعب العربي الفلسطيني، ولذلك يجب رص الصفوف وعدم الخروج عن وحدة الرأي والهدف، لأن في هذا هدر لطاقات الامة و الشعب وعدم الوصول إلى الهدف المنشود.
أما الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني بكل متغيراته، عليه أن لا ينقطع عن بعده العربي وان يستثمر الشارع العربي للدفع بالطاقات العربية في اتجاه القضية، وأن يحسن توجيه الدفع العربي السياسي للوصول به إلى الذروة المطلوبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *