
الفلسطينيون في العراق تضاءل عددهم إلى أقصى حدّ عمّا كان عليه عام 1948 ثم عام 1967. لكنّ هذا التضاؤل لم يكن ذا طابع سلمي، بل كشف عن تعرضهم لانتهاكات ممنهجة، خصوصاً بعد الاحتلال الأميركي. تشير أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أنّ أعداد اللاجئين الفلسطينيين في العراق انخفضت من نحو 35 ألفاً قبل الغزو الأميركي للبلاد عام 2003 إلى أقل من 7 آلاف بحلول عام 2012. تتحمل الحكومة العراقية وأجهزتها الأمنية مسؤولية الانتهاكات في حق الفلسطينيين بحسب المنظمات الإنسانية. وفي ما يأتي الحلقة السادسة من ملف “فلسطين الشتات”…
يصعب الحديث عن لجوء فلسطيني الآن في العراق، إذ إنّ ما تبقى منه ليس أكثر من شظايا متناثرة للجوء الذي نشأ بعد حرب النكبة في عام 1948، وتصاعد بعد نكسة الخامس من يونيو/ حزيران عام 1967. أما الحلقة المهمة الثالثة التي لا بد من تسجيلها فهي التي كان مصدرها الكويت بعد احتلالها من العراق وتحريرها منه.
يرتبط الوجود الفلسطيني في العراق بالدور الذي لعبه هذا البلد في الصراع العربي الإسرائيلي، ففي حرب النكبة شارك الجيش العراقي مشاركة ملموسة، وتتفق جميع الكتابات والمذكرات التي تناولت تلك المرحلة على الدور المشرِّف الذي قام به، كما شارك العراقيون المدنيون متطوعين في تشكيلات جيش الإنقاذ. وفي حرب عام 1967 دخلت القوات العراقية بعد انهيار الجيش الأردني إلى الأردن لحمايته بعدما باتت الطرقات مفتوحة أمام الجيش الإسرائيلي للوصول إلى العاصمة عمّان. وفي حرب عام 1973 حضرت فرق عراقية عدة رغم الخلافات السياسية إلى جبهة القتال في سورية وقاتلت إلى جانب الجيش السوري، خصوصاً بعد توقف المعارك على الجبهة المصرية وبقاء الجبهة السورية منفردة في المواجهة مع إسرائيل التي نقلت جزءاً من قواتها إليها.
الاحتلال الأميركي
المقصود من هذا العرض السريع أنّ العراق كان بمثابة قوة وازنة في معظم الحروب التي شهدتها المنطقة، ودفع ألوف الجنود والضباط حياتهم في سبيل نجدة إخوانهم ومواجهة الهجمة الصهيونية في فلسطين وغيرها من ساحات القتال. وعليه، فقد اعتبرت القيادات العراقية منذ المرحلة الملكية أنّ واجبها القومي يفترض وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني واحتضانه في محنته الكبرى.
ومن دون التوقف بعيداً في رصد التعامل العراقي الرسمي والشعبي مع الشعب الفلسطيني، تكفي الإشارة إلى القرار الذي يحمل الرقم 202 الصادر عن مجلس قيادة الثورة العراقية عام 2001. وهو القرار الذي وفر المساواة الكاملة للاجئين الفلسطينيين مع المواطنين العراقيين، وبالتالي الحصول على سائر الحقوق والامتيازات التي نص عليها الدستور، والقيام بالواجبات المواطنية باستثناء الحصول على الجنسية وما يستتبعها على الصعيد السياسي من مشاركة في الانتخابات ترشحاً واقتراعاً.
ما إن جاء الاحتلال الأميركي حتى بدأت أوضاع اللاجئين تتردى تباعاً. وكانت الخطوة الأولى إقدام القوات الأميركية على اعتقال القائم بأعمال سفارة فلسطين وطاقم السفارة، وهو اعتقال امتد طوال عام كامل. لكنّ الخطوات اللاحقة هي التي أكدت خطورة ما ينتظره الفلسطينيون في العراق، فخلالها جرى تحويل المسؤولية عنهم من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى وزارة الهجرة والمهجرين. وتبعاً لذلك، فقدوا حق الإقامة الدائمة الذي كانوا يتمتعون به، وباتوا مثلهم مثل أيّ أجنبي مقيم في العراق في حاجة إلى إقامة مؤقتة يجري تجديدها لدى انتهاء مفعولها، وعلى الفلسطيني تبرير أسباب وجوده في البلاد. وكانت هذه بداية الغيث.